رسالتي إلى السيدة خديجة رضي الله عنها
أكتب لك رسالتي وانا فخورة بمراسلة امرأة قمّة في النسب العريق والشرف الرفيع والحكمة البالغة ،
ولقد أوتيت قوة المال وقوة الروح المعنوية مما جعلك تعيشين حياة أحداثها تفخر بها صفحات التاريخ
أنت أم للمسلمين ومنار للمسلمات في كثير من شؤونهن ، كم توقفنا عند سيرتك وأفدنا منها !
لقد امتلكت المال وكان لديك اثنان من العيال ،
وكنت تعملين جاهدة لتنمية أموالك فاتخذت أحسن الأسباب باختيار الأشخاص الخلوقين الذين يتصفون بالصدق والأمانة .
أقبل عليك الخاطبون من اولي المكانة فرفضت قبولهم وكأنك كنت تنشدين الكمال في الرجال ،
وتم لك ما أردت بعض اختبار فالسفر _ كما يقال _ يسفر عن أخلاق الرجال ، والمال ينبئ عن جوهر الإنسان .
عادت اموالك بعد ربح مضاعف حين عهدت إلى محمد _ صلى الله عليه وسلم _ بتجارتك فعلمت أنه الصادق الأمين ،
وحمل ميسرة لك الأخبارعما جرى ودار ، فعرفت فيه صفات الرجولة الحقة ،
ولمحت أن له شأناً حين سأل عنه الراهب حينما جلس مجلساً تحت شجرة لم يجلسه إلا الأنبياء
وجزى الله عنا نفيسة كل خير فهي التي حملت رغبتك في الاقتران به ،
ومهدت له السبيل بأن المال ليس بعائق ، وأن الخلق والنسب دعامة تغني عن المال والذهب .
كم أنت قوية الشخصية تعربين عن شعورك بطريق غير مباشر ،
ثم تعلمين بني قومك ليتفقوا مع اشراف قريش لإتمام الخطبة حسبما تعارف عليه الأقوام ،
وتمّ الاقتران فكانت أجمل قصة زواج ، ورزقكما الله حياة طيبة ، وبنين وبنات ووفاء بعد الممات
تعلمنا منك كيف يكون المال في اليد لا في القلب ، فلم يكن اساساً لاختيار شريك الحياة ،
بل سخرت المال لحياة طيبة وبذلته وقت الشدة أثناء مقاطعة المشركين للمسلمين
وتعلمنا منك كيف نساند المسلمين ، ونثبتهم على درب الدين ، وإن كانوا قلة مستضعفين ومطاردين
تعلمنا من تجربتك أن الخزي لا يلحق بمن يعين على نوائب الحق ، ويقري الضيف ، ويكسب المعدوم ،
وبهذا المقياس طمأنت زوجك حين عاد من الغار ، وهو خائف مما حصل ،
وكم كنت حكيمة حين سالت أهل العلم والمعرفة قريبك الراهب بحيرا عما جرى ،
فاكد لك أن ما جرى له هو نزول جبريل عليه السلام حاملاً رسالة سماوية كما حدث للأنبياء قبله
وأخيراً وليس آخراً نهنئك ببيتك في الجنة الذي بشرك به محمد عليه الصلاة والسلام ،
كما أرسل لك أن النبي عليه الصلاة والسلام ظل وفياً لك بعد مماتك ويكرم من له صلة بك ،
ولم يحب امرأة أكثر منك معللاً ذلك بأنه رزق محبتك ورزقه الله الولد منك واعظاً بذلك الأزواج من بعده أن يرعوا الوداد ، ولا ينسوا رابطة الأولاد .
كم أتمنى أن أرى بيتك الذي من قصب ، والذي يخلو من التعب والنصب ، وأن ألقي عليك التحية ، وأنت تتمتعين بهذه الكرامة في دار المقامة .
الطير المغرد