الفرق بين ( الراشد... و الضال ... والغاوي ) ...
قال ابن رجب – رحمه الله – :
الأقسام ثلاثة :
راشد ، وغاو ، وضال
فالراشد عرف الحق واتبعه
والغاوي عرفه ولم يتبعه
والضال لم يعرفه بالكلية
فكلُّ راشدٍ هو مهتد ، وكل مهتدٍ هدايةً تامة فهو راشد ؛ لأن الهداية إنما تتم بمعرفة الحق والعمل به أيضا . انتهى كلامه .
وقال رحمه الله :
وإنما وَصَـفَ – يعني النيّ صلى الله عليه وسلم - الخلفاءَ بالراشدين – في الحديث - ؛ لأنهـم عـرفـوا الحق وقضوا به ، والراشد ضد الغاوي ، والغاوي من عرف الحق وعمل بخلافه . اهـ .
وقد وصَف الله أتباع إبليس بأنهم من الغاوين ، فقال : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتّبعك من الغاوين )
وقال : ( وبُرّزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون * من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون * فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون )
ووصَف الله الذي أوتيَ الآيات فردّها بأنه من الغاوين ، فقال : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين )
وفَرْقٌ بين الغواية والضلالة .
فلم يرد وصف أحد من أنبياء الله بالغواية ولا بالضلال البعيد ولا بالضلال المبين .
وقد قال قوم نوح لنوح عليه الصلاة والسلام : ( إنا لنراك في ضلال مبين ) فنفى عن نفسه الضلال ، وقال : ( يا قوم ليس بي ضلالة )
وقال الخليل عليه الصلاة والسلام لقومه : ( لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين )
ولما قال فرعون لموسى : ( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين )
ردّ عليه موسى بقوله : ( فعلتها إذا وأنا من الضالين )
أي قبل النبوة وقبل أن يمتنّ الله عليّ بالرسالة .
وأما قوله تعالى في شأن نبيِّه صلى الله عليه وسلم : ( ووجدك ضالاً فهدى ) فهذا يُفسّره قوله تعالى : ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) أي قبل النبوة ( ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا )
وقد نفى الله عز وجل الضلال عن نبيّـه ، فقال سبحانه : ( ما ضلّ صاحبكم وما غوى )
وهذا نفي للضلال ، ويُراد به أحد أمرين :
الأول : نفي الضلال بعد البعثة .
والثاني : نفي الضلال المبين ، والذي وصفه سبحانه بـ ( الضلال البعيد ) وبـ ( الضلال المبين )
فهذا منفيٌّ عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن كثير – رحمه الله – :
وقوله تعالى ( ما ضل صاحبكم وما غوى ) هذا هو المقسم عليه وهو الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه راشد تابع للحق ليس بضال وهو الجاهل الذي يسلك طريق بغير علم ، والغاوي هو العالم بالحق العادل عنه قصدا إلى غيره فنـَـزّه الله رسوله وشرعه عن مشابهة أهل الضلال كالنصارى، وطرائق اليهود وهي علم الشيء وكتمانه والعمل بخلافه بل هو صلاة الله وسلامه عليه وما بعثه به من الشرع العظيم في غاية الاستقامة والاعتدال والسداد . انتهى كلامه .
منقول