لطيفة بن محمد نائب مدير المنتدى
| موضوع: الرحمة في الإسلام الخميس مارس 26, 2015 11:05 am | |
| الرحمة من الأخلاق والمبادئ الأساسية في الإسلام، وهي رقةٌ في القلب وحساسية في الضمير، وإرهافٌ في الشعور،تستهدف الرأفة بالآخرين، والتألم لهم، والعطف عليهم، وكفكفة دموع أحزانهم وآلامهم.. وهي التي تهيب المؤمن أن ينفرَ من الإيذاء وينبو عن الجريمة، ويصبح مصدرَ خيرٍ وبر وسلام للناس أجمعين .والرحمة في أفقها الأعلى، وامتدادها المطلق صنعة المولى تباركت أسماؤه، فإن رحمتَه شملت الوجود، وعمَّت الملكوت، فحينما أشرق شعاع من علمه المحيط بكل شيءٍ أشرق معه شعاع للرحمة الغامرة .ولقد جاء لفظ "رحم" ومشتقاته ثلاثمائة مرة في القرآن الكريم؛ الأمر الذي يدل على اتساع المساحة التي تشغلها الرحمة في الحياة الدينية والإنسانية.ولذلك كان من صلاة الملائكة لله عز وجل: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)﴾ (غافر). ولعظم الرحمة وأهميتها، وصف الله تعالى بها نفسه، مرة باسم الرحمن، ومرة باسم الرحيم،فهو رحمن الدنيا، رحمة تعم المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة؛ حيث تخص رحمته المؤمنين وحدهم:﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾(الأحزاب: من الآية 43).وقال تعالى:﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ ﴾ (النساء: من الآية 175).وقال عز وجل:﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾(الأعراف: من الآية 56)وكثير من أسماء الله الحسنى ينبع من معاني الرحمة والكرم والفضل والعفو، وقد جاء في الحديث القدسي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ : إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي" رواه مسلمأي أن تجاوزه عن خطايا البشر يسبق اقتصاصه منهم، وسخطه عليهم، وبذلك كان الله عز وجل أفضل الرحماء:﴿ وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)﴾ (المؤمنون)،فالله تعالى هو أرحم بخلقه من غيره، إذ إنه هو الذي خلقهم، فهو أرحم بهم من أمهاتهم اللائي ولدنهم. ورحمة الله تسع كل الخلائق،والذين يتقون الله- عز وجل- ينالهم النصيب الأكبر من رحمة الله، يقول تعالى:﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ (الأعراف: من الآية 156).ونستطيع أن ندرك أن الرحمة في لغة الكتاب العزيز هي:كشف الضر أو العذاب عن الناس، أو تخفيفه عنهم، أو تجنيبهم إياه،يقول عز وجل:﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ﴾(يونس: من الآية 21)،ويقول تبارك وتعالى: ﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ﴾ (الإسراء: من الآية 54).وقد جعل الله تعالى الرحمةَ صفةً أصيلةً في الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقال تعالى:﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128)﴾ (التوبة)،ويقول تعالى:﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ (آل عمران: من الآية 159)،بل إن الله تعالى أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم، وجعله رحمةً لكل البشر، فقال تعالى:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء).يقول الشيخ الغزالي: "لقد أرادَ الله أن يمتن على العالم برجل يمسح آلامه، ويخفف أحزانه، ويرثي لخطاياه، ويستميت في هدايته، ويأخذ ويناصر الضعيف، ويقاتل دونه قتال الأم عن صغارها، ويخضد شوكة القوى حتى يرده إنسانًا سليم الفطرة، لا يضرى ولا يطغى..فأرسل محمدًا عليه الصلاة والسلام، وسكن في قلبه من العلم والحلم، وفي خلقه من الإيناس والبر،وفي طبعه من السهولة والرفق، وفي يده من السخاوة والندى ما جعله أزكى عباد الله رحمة وأوسعهم عاطفة، وأرحبهم صدرًا" (خلق المسلم)والرحمة مبادرة إنسانية نبيلة تبرهن على سلامة حسنا الخلقي وحدته، وعلى نضج إنسانيتنا، وتوطد مشاعر الإخاء الإنساني في ضمائرنا.الرحمة هي التعبير الخلقي العملي عن تعاطف الإنسان مع أخيه الإنسان حين يواجه المرض أو الألم،أو حين يقع في المآزق والملمات دون أن يجد الحيلة للفكاك منها، والإنسان الرحيم يبادر إلى هذا أو ذاك تحدوه الرغبة في كشف العذاب عنه أو تخفيفه عن كاهله . | |
|